آلان وودز يتحدث عن المنظورات العالمية لسنة 2008 - الجزء الأول

Arabic translation of Alan Woods on world perspectives 2008 – Part One (January 13, 2008)

سبق لنا أن قلنا أننا سنشهد تغيرات حادة ومفاجئة. ما هو الشيء الأكثر حدة ومفاجئة الذي يمكن للمرء أن يشهده أكثر مما حدث في باكستان، التي تعيش الآن وضعا متفجرا؟ بعد انهيار الستالينية، وعندما كان البرجوازيون يفركون أيديهم فرحا، قال تيد غرانت، أن هذه المرحلة ستكون أكثر المراحل تفجرا واضطرابا في تاريخ البشرية. حتى بعض الرفاق ارتابوا في صحة هذا القول. سقوط روما كان حدثا عاصفا جدا، وبالمصادفة يوجد هناك العديد من التشابهات الصادمة بين الفترة الحالية وبين مرحلة انحطاط وسقوط الإمبراطورية الرومانية. حتى بعض المحللين البرجوازيين أشاروا إلى هذا. نفس شيء رأيناه إبان سيرورة انحطاط الفيودالية.

ما هي خاصية مرحلتنا الحالية؟ هل هي مرحلة نمو وتوسع وتقدم رأسمالي؟ يجب على المرء أن يكون ساكنا في كوكب غير كوكبنا لكي لا يرى كل أعراض الانحطاط النهائي للنظام الرأسمالي الذي وصل إلى الباب المسدود. الحضارة الإنسانية نفسها في خطر. الخيار المطروح هو إما الاشتراكية أو الهمجية.

فلننظر فقط إلى كينيا - كان من المفترض أنها تشكل قصة نجاح، تطبق إصلاحات السوق والخصخصة، الخ. لقد كانت تعتبر مثالا مضيئا للديمقراطية. والآن نشهد النقيض: البربرية، وعناصر التفكك الاجتماعي، كنتاج لكل ذلك. من السهل تلمس عناصر الهمجية التي يمكننا أن نراها حتى في البلدان الأوروبية المتقدمة: الجريمة، المخدرات، القتل، انهيار الروح المعنوية داخل المجتمع. لكن كيف نتوقع شيئا آخر غير ذلك من نظام يحتضر؟ إن الرأسمالية، كما قال لينين، هي الرعب بدون نهاية.

ليس لنقاش المنظورات هدف أكاديمي، كما لو أن الأمر يتعلق بحلقة دراسية في الجامعة. وليس الهدف منه تبيان مقدار ذكائنا، بل الهدف هو تحليل الوضع القائم من أجل التدخل فيه – ونحن نتدخل فعلا: في إيران، البلد ذو الأهمية الحاسمة، وفي فنزويلا والمكسيك وإيطاليا وإسبانيا وخاصة في باكستان، البلد الذي يكتسي أهمية حاسمة لأمميتنا. كيف صار من الممكن لرفاقنا هناك أن يحققوا مثل ذلك التدخل الرائع؟ ليس من المصادفة أننا كنا في المكان الصحيح في الوقت الصحيح. فذلك نتاج لصحة منظوراتنا – نتاج لكل تلك النقاشات التي خضناها طيلة سنين وعقود.

لقد سبق لجميع الماركسيين المزيفين في العالم أن أدانونا بسبب توجهنا نحو حزب الشعب الباكستاني. والآن ألقوا نظرة إلى الوضع: لقد كنا الوحيدين الذين استطاعوا تفسير كيف سيكون رد فعل الجماهير اتجاه عودة بينازير بوتو. هل تعتقد أن الجماهير قرأت وثائق حزب الشعب الباكستاني أو وثائق حزب الثورة الديمقراطية [المكسيك -م-] أو الحركة البوليفارية [فنزويلا -م-]؟ كلا على الإطلاق، لكننا نفهم كيف تتحرك الجماهير عندما تتحرك.

هناك بعض التشابهات بين التاسع من يناير 1905 في روسيا القيصرية وبين الوضع القائم في باكستان اليوم. كيف يمكن لمنظمة ماركسية أن تحقق مثل هذا التقدم والتطور في بلد متخلف، مع وجود الأصوليين، الخ؟ ذلك راجع لتفوق الأفكار والمنهجية الماركسية. يظهر هذا ليس في باكستان وحدها، وليس في آسيا وحدها، بل على الصعيد العالمي.

لقد توقعنا أنه سيحدث انهيار كبير في أسواق الأسهم العالمية، وأن ذلك ستتلوه موجة من الهلع. يجد الاضطراب انعكاسا له في ارتفاع أسعار البترول، والتي تجاوزت الآن سقف المائة دولار للبرميل. إذن ما هو المزاج السائد بين صفوف البورجوازية؟ يمكننا بشكل من الأشكال أن نقيس مزاج البورجوازية بواسطة "ترمومتر" سوق الأسهم المالية. قبل 12 شهرا فقط، كان المزاج السائد هو التفاؤل: خمسة سنوات من النمو السريع الشبه قياسي. والآن نشهد سيادة جو من التشاؤم العميق. إن البورجوازية، كما سبق لتروتسكي أن قال في البرنامج الانتقالي، تنحدر نحو الكارثة بعيون مغلقة.

قبل اثنا عشر شهرا كان البرجوازيون يقولون أنه لا توجد أية مؤشرات عن وجود اضطراب لأنه كان من المفترض أن اللااستقرار قد تم القضاء عليه من خلال اختراع الاشتقاقات. لقد توقعنا حدوث ذلك قبل بضعة سنوات. قلنا أن الاقتصاد الأمريكي كان يتحدى قانون الجاذبية، مثل شخصية الرسوم المتحركة (الذي يسمى رود رانر Roadrunner على ما أعتقد)، الذي يتجاوز حافة الجرف ويواصل الجري في الهواء، ثم ينظر تحت قدميه ويحك رأسه وبعد ذلك يسقط في الهاوية عندما يدرك أنه لا يوجد أي شيء تحت قدميه. إنها نفس حالة الاقتصاد الأمريكي الآن. لا يوجد أي شيء حقيقي تحت أقدامه.

لقد باعت البورجوازية كميات هائلة من... الديون! تم اقتطاع الديون وبيعت في أسواق الأوراق المالية. والآن تملكهم الجنون. لقد كان للأزمة نتائج خطيرة على الصعيد العالمي: شهدت بريطانيا انهيار بنك نوردن روكست، وهو الانهيار الذي حدث بشكل مفاجئ وبدون سابق إنذار. نوردن روكست ليس بنكا صغيرا، إنه خامس أكبر بنك في بريطانيا. لقد رأينا، للمرة الأولى منذ 160 عاما في بريطانيا، اندفاع الناس نحو الأبناك: يمكنك أن ترى ذلك على شاشة التلفزيون وليس في الكتب الأكاديمية. لقد كان الناس يصطفون أمام الأبناك بالمئات من أجل استعادة أموالهم.

لقد رأينا حتى خلال فترة الازدهار أشد الهجمات شؤما على مستوى عيش الجماهير وعلى أنظمة التقاعد، الخ. كان ذلك الازدهار ازدهارا على حساب الطبقة العاملة. لا جدوى من الاقتصار على اقتطاف أرقام عامة حول النمو وغيره من المؤشرات الاقتصادية؛ نحتاج إلى النظر في تأثير ذلك على الجماهير. نعم لقد تم تحقيق أرباح هائلة، لكن ذلك تم على حساب الجماهير. لقد تم تحقيق معدلات نمو عالية في أمريكا الجنوبية أيضا، لكن الجماهير لم تستفد من ذلك. في كل مكان هناك ازدياد هائل لعدم المساواة وتراكم الغنى الفاحش في جانب والفقر المدقع في الجانب الأخر. ليس من المصادفة أن يكون أغنى رجل في العالم هو كارلوس سليم المكسيكي وليس بيل غيتس.

هذا هو وضع الجماهير في ظل أفضل ظروف الرأسمالية. ما الذي سيحدث عندما سيقع الركود؟ إن العالم يسير نحو حدوث كساد. تتجه الولايات المتحدة نحو حدوث كساد، لكنه سيضرب على وجه الخصوص بريطانيا وإسبانيا وايرلندا. ستنهار المزيد من الأبناك، كما كان الحال في الثلاثينات. هناك تضافر للعديد من العوامل التي تشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد العالمي. التضخم يرتفع (الشيء الذي يعتبر طبيعيا إبان ذروة الازدهار). سيتجاوز سعر البترول سقف المائة دولار للبرميل قبل أن يحدث انهيار في الأسعار في النهاية. لقد تجاوز الذهب معدل 900 دولار للأوقية، وهو المعدل الأعلى خلال 28 سنة. يرتفع سعر الذهب، كما نعلم، عندما يكون البرجوازيون يبحثون عن مكان آمن يضعون فيه أموالهم قبل حدوث ركود، إن هذا مؤشر واضح عن اقتراب حدوث ركود.

لا يزال الاقتصاد الأمريكي هو المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي. الولايات المتحدة، البلد الذي يضم 5% من الساكنة العالمية، مسئولة عن حوالي 20% من النمو. إنه نمو مستند على الطلب، على الاستهلاك، لكن الولايات المتحدة سجلت رقما قياسيا يتمثل في تجميد الأجور طيلة حوالي 30 سنة، بالرغم من أن العامل الأمريكي المتوسط ينتج الآن ثلاثة أضعاف أكثر مما كان قبل عقد من الزمن.

هناك تراكم لديون ضخمة في الولايات المتحدة: دين خاص، ديون الشركات، دين عمومي. لكن لتراكم الديون هذا حدوده، التي تم الوصول إليها. كان هناك ارتفاع هائل في معدل البطالة (+5%). فقاعة العقارات انتهت وصارت أسعار المنازل تهوي. لقد كان الناس يقترضون الأموال مقابل ارتفاع أسعار العقارات. وطالما كان الازدهار مستمرا كان هناك كرنفال بهيج لكسب الأموال، وأصبح الناس يشعرون بالدوار وكانت الأبناك تقرض الأموال لأي كان. والآن هناك موجة هائلة من الحجز على الممتلكات. لقد صارت آلاف العائلات الأمريكية عاجزة عن بيع منازلها لأنها تدين بمبالغ رهن تفوق قيمة منازلها. يطلق عليهم البعض اسم "طبقة جديدة من عبيد الرهن". ليس هذا نقاشا أكاديميا. إن هذا الوضع سيكون له تأثير. وقد بدأ يمارس تأثيرا نفسيا عميقا والطبقة السائدة قلقة.

عندما انتخب بوش، شعر أغلب اليساريين بالتشاؤم، لقد اعتقدوا أن كل شيء يتجه بعناد نحو اليمين. لكننا، على العكس من ذلك، توقعنا أنه سيصبح أكثر الرؤساء مقتا في التاريخ. لا تعرف الطبقة السائدة ما يجب فعله. الجمهوريون منشقون بسبب المستنقع العراقي والمأزق الاقتصادي. قال لاري سمرز، وزير المالية السابق في حكومة كلينتون: «أمريكا مهددة بأسوأ كساد منذ أوائل الثمانينات.»

لا يعلم أحد مدى عمق أو طول موجة الكساد المقبلة. «السؤال الحقيقي - حسب صحيفة الإيكونوميست- لا يتعلق بالمسألة التقنية حول هل سيتحول الانكماش إلى ركود، بل بمسألة كم سيدوم ذلك الركود.» إنهم يخشون أن تكرر الولايات المتحدة تجربة اليابان خلال التسعينات، عندما فتح الازدهار الذي عرفته خلال الثمانينات الطريق أمام حدوث ركود دام عشرة سنوات.

من المثير لعظيم السخرية أنه بمجرد ما بدأت الأزمة تلوح في الأفق، سارع البرجوازيون إلى مد يدهم إلى الدولة لاستجداء المساعدة. إنهم يريدون الحصول على معدلات فائدة مخفضة، قروض وإعانات مالية، الخ. إنهم في الواقع يريدون إعادة نفخ الفقاعة! لم نعد نسمع أبدا ذلك الحديث عن "السوق الذي ينظم كل شيء." لقد سبق لغرينسبان أن عمل على إعادة نفخ الفقاعة، ما بين سنوات 2001 و2003، وقد اعتبر آنذاك بطلا – والآن اتهموه بكونه تسبب في حدوث فوضى. إنهم محقون، بالطبع، لكن ذلك لا يمنعهم من المطالبة باتخاذ إجراءات مشابهة الآن.

لقد بدأ الاقتصاد الحقيقي في الولايات المتحدة يظهر دلائل عن الأزمة. سنة 2007 سقطت مبيعات السيارات والشاحنات الخفيفة بـ 2,5% إلى 16,1 مليون. ومن المتوقع هذه السنة حدوث سقوط إلى 15,5 مليون. الشركات الرئيسية في أزمة. شركة كرايزلر مفلسة في الواقع، إن لم تكن كذلك نظريا. أرقام الصناعة الأمريكية، في شهر دجنبر، هي الأسوأ خلال خمسة سنوات. هبطت مبيعات المنازل الجديدة بـ 9,6% خلال دجنبر، أي 34,4% أقل من السنة الماضية. التضخم يرتفع في كل مكان. التضخم المسجل خلال شهر نوفمبر في الولايات المتحدة هو أعلى بـ 4,3% من السنة الماضية.

هناك عوامل ساعدت البورجوازية بلا شك في الفترة الماضية. كان انفتاح أسواق جديدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وإعادة الرأسمالية في الكتل السوفييتية والصينية السابقة، يعني دخول حوالي 2 مليار شخص إلى نظام التجارة العالمية. لقد أدى هذا إلى ممارسة ضغط مخفض على الأجور، بالرغم من أن الصين تعرف ارتفاعا في التضخم والأجور.

لقد قدم ذلك مساعدة هائلة للنظام الرأسمالي. لقد وفر له نسمة أوكسجين، لكن لم يتغير أي شيء من حيث الجوهر. أدى إلى تخفيض سعر السلع كطريقة لمواجهة ميل معدل الربح نحو الانخفاض. تم إنتاج كميات هائلة من السلع في بلدان من قبيل الصين والهند، كالشاشات التلفزيونية الرخيصة والحواسيب، الخ. وهكذا، صار بإمكان العمال، حتى بدون الرفع من الأجور، شراء سلع كانت تعتبر في الماضي من الكماليات. لكن الأسعار صارت الآن تتصاعد بينما الأجور لا تزال منخفضة.

تقدم لنا المملكة المتحدة مثالا. يشكل عمال القطاع العام 20% من القوة العاملة. وقد أعلن غوردون براون أنه يجب على أجور عمال القطاع العام أن تظل تحت معدل التضخم خلال الثلاثة سنوات المقبلة، بدعوى مواجهة التضخم. إن هذا يعتبر وصفة لانفجار الإضرابات في القطاع العام في بريطانيا. في كل مكان يتم تطبيق برامج للمزيد من تخفيض الأجور. يمكننا أن نعبر عن ذلك على شكل معادلة: الرأسماليون لا يمكنهم تحمل الإبقاء على الإصلاحات والتنازلات التي قدموها في الماضي، لكن الجماهير لا يمكنها أن تقبل بالمزيد من التخفيض في مستوى المعيشة.

أحد أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية هو ازدهار استعمال الإيثانول الحيوي، الذي لا يساعد البيئة في الحقيقة مطلقا، يتم استعمال الذرة وغيرها من المواد الغذائية من أجل إنتاج الوقود (المدعوم من طرف الحكومة)، مما يدفع بأسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع في كل العالم. لقد سبق لفيديل كاسترو أن توقع أن هذا سيؤدي إلى حدوث المجاعات وقد كان محقا: إنها كارثة على البلدان الفقيرة. في إيطاليا، هناك ارتفاع لسعر المعكرونة، التي تعتبر مادة غذائية رئيسية للأسر العمالية الإيطالية. لكن في بلدان من قبيل باكستان والهند وبنغلادش وأفغانستان، الخ، أدى ارتفاع مماثل في أسعار المواد الغذائية الرئيسية إلى حدوث انتفاضات، لأن الناس لم يعد في إمكانهم الحصول على الغذاء. سوف يصل حزب الشعب الباكستاني إلى الحكومة في ظل هذه الحالة من اليأس، إن السياسة الإصلاحية عاجزة عن تقديم حل لهذه المشكلة، وهو ما سيترتب عنه عواقب جدية.

يشبه الاقتصاديون البرجوازيون غريقا يتشبث بقشة. إنهم يعترفون الآن بأن هناك أزمة قادمة في الولايات المتحدة، لكنهم يتمنون أن تعمل آسيا على إنقاذهم، كما يتمنون أن لا تؤثر تلك الأزمة على باقي العالم.

لقد سجلت الصين أعلى نسبة نمو حققه أي بلد آخر خلال الثلاثين سنة الأخيرة. إنها الآن أول منتج ومستهلك للفولاذ، وثاني مستهلك للطاقة. يتوقع البعض أنه بإمكان الصين بهذه النسبة أن تتجاوز الولايات المتحدة. هذا صحيح على المدى البعيد، لكنه ليس منظورا فوريا. لقد سبق لهم، في الماضي، أن قالوا نفس الشيء عن اليابان، وعندها عصفت الأزمة.

يحب الاقتصاديون استقراء الاتجاهات المستقبلية على قاعدة أرقام من الماضي. لقد وصل التضخم في الصين إلى 6,9% خلال شهر نوفمبر. كانت صادراتها تشكل 20% من الناتج الداخلي الخام سنة 2001، وقد صارت 40% سنة 2007. هذه تخمينات، ومن المحتمل أن تكون جد مرتفعة، إلا أن الشيء الواضح جدا هو أن الصادرات تلعب دورا جد هام في الاقتصاد الصيني وأن حدوث مجرد كساد، فبالأحرى ركود عميق، في الولايات المتحدة سيؤثر عليها.

13 يناير 2008
Nieuwpoort (بلجيكا)

Source: Marxy.com